الفوائد النفسية للصيام: كيف يعزز الصيام صحتك النفسية

فوائد الصيام النفسية
فوائد الصيام النفسية


كلنا يعلم جيدا أن للصيام فوائد واضحة على الصحة الجسدية، حيث من خلاله يمكننا إنقاص الوزن و التشافي من بعض الأمراض العضوية. لكنه أيضًا وسيلة فعالة لتحسين الصحة النفسية والعقلية. على مر العصور، استخدم الناس الصيام لتعزيز ضبط النفس، وتقوية الإرادة، وتحقيق التوازن العاطفي. اليوم، تشير الأبحاث العلمية إلى أن الصيام يمكن أن يكون له تأثيرات إيجابية كبيرة على النفس والمشاعر، مما يجعله أداة قوية لدعم الصحة النفسية.

في هذه المقالة، سنستكشف الفوائد النفسية للصيام وكيف أنه تدريب قوي للنفس لضبط شهواتها وإدارتها بوعي أكبر.

فوائد الصيام

عند الامتناع عن الطعام لفترة من الوقت، يبدأ الجسم في استخدام مصادر طاقة بديلة، مما يؤدي إلى إنتاج الكيتونات. وهي مركبات تساعد في تحسين وظائف الدماغ وتعزيز التركيز. هذا يفسر لماذا يشعر الكثير من الناس أثناء الصيام بزيادة في الصفاء الذهني والشعور بالراحة النفسية. طبعاً هذا لا يتأتى بشكل تلقائي وإنما يحتاج لحضور فكري، لمراقبة ما يعتلينا من مشاعر أثناء الصيام وما يدور في خاطرنا عند الاحساس بالجوع.

عادة يذهب الشخص لتناول الطعام عندما يحس بالجوع لكن ضبط هذا الاحتياج وتأخير الأكل يساعدنا على ضبط النفس وعدم الانقياد لها بسهولة. مجرد تأخير الأكل يخفف من وطأة الجوع ويتناقص ليختفي تماما بعد ساعات من الصيام. يستطيع الشخص حينها أن يركز أكثر علاى أمور أخرى تحتاج للتفكير النقدي مثل الكتابة أو البحث المنهجي أو الحوار البناء أو التركيز في أشغال يديوية تحتاج لمهارة جسدية ودقة عالية. يستغرق الشخص في هذه الأنشطة ويستمتع بوقته أكثر لأن جسده غير منشغل بهضم كميات كبيرة من الطعام, فمعدته في فترة راحة وهدوء. 

تحديات الامتناع عن الطعام لفترات طويلة

هذا لا ينطبق على الشخص الذي يعجز عن إدارة مشاعره وأصبح يستخدم الطعام لتخديرها وليتهرب من مواجهتها. فهذا الشخص يشكل الصيام بالنسبة له تحديا كبيرا لأنه يتوقف عن استهلاك مواد يستخدمها لتخدير مزاجه العام مثل السكريات والتدخين والمشروبات المنبهة وصولاً إلي الوجبات الثقيلة التي يعقبها نوم وخمول بسبب اجتهاد جسده في عملية الهضم. الشخص الذي يدمن أنواع الأكل المختلفة تصادفه مطبات خلال عندما يكون صائما، وهذا بسبب أن أقل المحفزات الخارجية تستثير مشاعره بشكل حاد لدرجة أن يفقد السيطرة على ردات فعله في مواجهة أبسط التحديات. قد تفلت أعصابه لو لم يرد صديقه على اتصاله أو تأخر موظف في إحضار طلبه أو تعثر شخص فيه بالخطأ أو تجاوزه سائق في الشارع. 

أثر الصيام في ضبط النفس

لذلك يأتي الصيام ليدربنا على عملية ضبط وإدارة النفس، فكلما فهم الشخص المغزى من الامتناع عن الغرائز الطبيعية بإرادة قوية ومرنة، أصبح أكثر قدرة على التعامل مع تحديات الحياة بشكل عام من خلال الانضباط والالتزام. فلو استسلم الشخص لما تمليه عليه شهواته لأصبح ظالما لنفسه وغيره حيث سيستهلك أكثر من حاجته وسيطمع في نيل ملذات ليست من حقه وسيصبح عبدا لنزواته ورغباته. وبذلك يعجز تماما عن إدارة حياته على مختلف الأصعدة الاجتماعية والمهنية والشخصية وغيرها. فما أعظم هذا التدريب الذي يظهر بسيطا ولكن تأثيره عميق لمن عرف كيف يستفيد منه في الرفع من إنسانيته وفضائلها، فهو يعلمنا الصبر ويقوى إرادتنا ويزيد من انضباطنا. 

أثر الصيام على قيمتي الامتنان والعطاء

عندما نصوم بوعي فإننا ننتبه لهبات ومنح الله لنا، فعندما نمتنع عن عدد من الملذات بسبب الصيام فإننا نستوعب الكم الهائل من النعم التي حبانا الله بها، ونعرف قيمة الأشياء التي تعودنا عليها لدرجة أننا أصبحنا لا ننتبه لوجودها وأهميتها في حياتنا. هذا يستدعي شكر الرحمان وحمد الله على هذه النعم. الشكر والحمد ليس فقط باللسان بل من خلال الاستخدام الجيد لها دون إفراط أو تفريط. كلما عرفنا قيمة عطايا الله لنا ونعمه علينا تزداد قيمة العطاء للغير في قلوبنا وتتوجه نفسنا نحو البذل للآخر سواء من وقتنا أو جهدنا أو علمنا أو مالنا. فما أجمل أن نهذب نفوسنا بالصوم ونجملها بالعطاء والبذل لنحيا حياتنا بمعنى سام ولا نكون سجناء لأطماعنا وشهواتنا المحدودة. فنحيا بذلك حياة اجتماعية سوية ومعتدلة ملؤها بهجة العطاء وفرحة المشاركة بدلا من حياة تطغى عليها الفردانية والأنانية توصل صاحبها للعزلة والاكتئاب.

الصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب والجنس، بل هو ممارسة دينية وأخلاقية واجتماعية تهذيبية تشمل حياة الإنسان بفوائد جمة على المستوى الجسدي والنفسي والفكري. فمن صام مستحضراً هذه الفوائد العظيمة وانشغل بتهذيب نفسه وتقوية جسده وشحذ همته، فإنه سينال خيراً عظيما في الحياة الدنيا والآخرة.