
المشاعر المكبوتة تشبه حملًا ثقيلًا نجرّه خلفنا دون وعي، لكنها تؤثر في صحتنا النفسية والجسدية على المدى الطويل. التعامل مع هذه المشاعر بوعي وتحريرها بطريقة صحية هو مفتاح حياة متوازنة وسعيدة. في هذا المقال، سنتناول بالتفصيل كيف يمكنك التنفيس عن مشاعرك المكبوتة واستعادة شعورك بالسلام الداخلي.
ماذا نعني بالمشاعر المكبوتة؟
المشاعر المكبوتة هي العواطف التي نخفيها أو نتجاهلها خوفًا من المواجهة أو الشعور بالضعف. قد تشمل الحزن، الغضب، الخوف، أو حتى الفرح الذي نعتقد أنه غير مناسب. مع مرور الوقت، تتحول هذه المشاعر إلى ضغط داخلي يؤثر على صحتنا النفسية والجسدية.
طرق عملية للتنفيس عن المشاعر المكبوتة
1. الكتابة والتدوين: مرآة المشاعر
الكتابة تُعد واحدة من أكثر الطرق فعالية للتعبير عن المشاعر المكبوتة، لأنها تمنحك مساحة آمنة للتعبير بدون أحكام.
– التدوين اليومي: خصص دفترًا لكتابة مشاعرك يوميًا. لا تهتم بالقواعد أو الأسلوب، فقط اكتب كل ما تشعر به بحرية. هذا سيساعدك على تفريغ المشاعر العالقة في نفسك باستمرار وبالتالي لا يتراكم عليك التوتر والضغط النفسي ل؟أنك تتعامل معه أولا بأول.
– الكتابة العلاجية: جرب تمرينًا مثل كتابة رسالة لشخص أو موقف أثّر فيك، سواء كنت ستُرسل الرسالة أم لا. الهدف هو إخراج المشاعر المدفونة. هذه التقنية ليست مجرد أداة للتعبير، بل هي مساحة آمنة للاستماع إلى صوتك الداخلي والتعامل مع المشاعر والأفكار التي تعترض طريقك. مع الاستمرارية، ستجد أن هذه الممارسة تسهم في تعزيز صحتك النفسية والعاطفية، وتفتح لك أبوابًا جديدة لفهم ذاتك وتطويرها.
– صفحات الصباح: تقنية تتمثل في كتابة ثلاث صفحات بخط اليد كل صباح مباشرة بعد الاستيقاظ. الهدف منها هو التفريغ العفوي لكل ما يدور في الذهن دون قيود أو أحكام، سواء كانت أفكارًا متشائمة، أحلامًا، مخاوف، أو حتى خطط لليوم. مع الاستمرارية، ستجد أن هذا الروتين البسيط يحدث تأثيرًا عميقًا في حياتك، ويمنحك وضوحًا وراحة وسلامًا داخليًا.
2. السماح للمشاعر بالظهور: المواجهة بدل الكبت
– الاعتراف بالمشاعر: أول خطوة للتنفيس هي قبول وجود هذه المشاعر. بدلًا من تجاهلها، حاول أن تقول لنفسك: “أنا أشعر بالغضب” أو “أنا أشعر بالحزن”، دون الحكم على نفسك.
– تقنيات التأمل والتنفس الواعي والانتباه: مارس التأمل مع التركيز على التنفس. عندما تظهر المشاعر، اسمح لنفسك بأن تشعر بها بدلًا من مقاومتها. يمكنك أن تتنفس على الشعور المزعج وتستشعر أنه يخرج ممن جسدك مع كل زفير
– التخيل الإيجابي: يعمل العقل على استحضار مشاعر وأحاسيس مماثلة لتلك التي قد يختبرها الشخص عند تحقيق حلمه أو نجاحه في موقف معين. عندما تتخيل مشهدًا إيجابيًا بتفاصيل دقيقة، يعمل عقلك على إنشاء روابط عصبية مماثلة لتلك التي تنشأ أثناء تجربة هذا المشهد في الواقع. بمعنى آخر، يبدأ عقلك في “تدريب” نفسه على التعامل مع المواقف وكأنها حقيقة. هذا يكسبك الثقة اللازمة لتجاوز التحديات ويقلل من التوتر والقلق وبالتالي يعزز صحتك النفسية.
3. التعبير الإبداعي: لغة الفن للمشاعر
الإبداع وسيلة فعالة للتعبير عن المشاعر المكبوتة.
اللغة تعتمد على نصوص تدل على مدلولات. أعمق استخدام للغة هو في التعبير الأدبي الذي يستدعي تربية النفس والتخلق. وبالتالي تهذيب النفس وتوجيهها التربوي الأدبي يسمح لها بالارتقاء والتطهر وهذا بحد ذاته علاج لها من الشهوات والنزوات التي تتملكها على شكل تعبيرات شعورية سلبية كالإدمان المادي (المخدرات، الأكل، وسائل التواصل الاجتماعي) والمعنوي (الاكتئاب والخوف والوسواس القهري ،غيرها من المشاعر التي يدمن عليها الإنسان ويعتقد أنها تتحكم به)
لذلك صوتك الذي تخرجه من خلال كلماتك التي تسطرها في مقالة أو قصة أو رواية أو قصيدة تسمح لك بأن تعبر عن مكنونات نفسك وترى بوضوح بعضا من ظلالك المخفية في أعماق نفسك. وكلما تعرفت عليها كلما عرفت كيف تتواصل وتتعامل معها.
– الرسم والتلوين: حاول رسم مشاعرك بألوان وأشكال تعبر عنها. قد تكون لوحة مليئة بالألوان الداكنة أو الزاهية حسب حالتك العاطفية.
– الموسيقى: استخدم الموسيقى كوسيلة لتفريغ طاقتك العاطفية، سواء بالعزف أو حتى الاستماع للمقطوعات التي تُحرك مشاعرك.
4. الحركة والنشاط البدني: تحريك الجسم لتحرير النفس
كلما كانت النفس مثقلة بالهموم ومنهكة بمشاعرمثل الحزن والخوف والظلم والغضب، كلما أثقلت الجسد ومنعته من الانطلاق في الحركة. لذلك مقاومة الحركة والتهرب منها هي أكبر دليل على التعب النفسي. يمكنك إسعاد النفس بالتفريغ من خلال تحريك الجسد:
– الرياضة: الأنشطة البدنية مثل الركض، السباحة، أو ممارسة اليوغا تُساعد على تخفيف التوتر وتحرير المشاعر المكبوتة وإفراز هرمونات السعادة.
– الرقص الحر: اترك جسدك يتحرك على إيقاع الموسيقى بحرية. فالرقص يُعد وسيلة مميزة للتعبير عن المشاعر وإطلاقها.
– تمارين التنفس العميق: جرب تقنيات التنفس مثل التنفس البطني العميق الذي يُهدئ الجهاز العصبي ويُساعدك على الشعور بالراحة، بل ويساعد كذلك في الشفاء من الأمراض. وكذلك التنفس الواعي المتصل حيث يجذرك في هنا والآن مما يسمح لبعض المشاعر الباطنة بالظهور للسطح بهدف التحرير والشفاء.
5. التحدث عن المشاعر: للمشاعر صوت يبحث عمن يسمعه
الكلام هو أحد مفاتيح الشفاء.
– التواصل مع الأهل والأأصدقاء: تحدث مع شخص تثق به، واسمح لنفسك بالتعبير عن مشاعرك دون خجل. شعور الانتماء والاتصال يزيد من مشاعر الأمان وبالتالي يهدئ الجهاز العصبي مما يسمح للجسد بالاسترخاء والهدوء، بدلا من مشاعر التوتر التي تنهشه في أغلب الأوقات بسبب الغفلة وعدم الانتباه لمشاعرنا بسبب الانغماس في المشاغل اليومية.
– الجلسات العلاجية: إذا كنت تجد صعوبة في التعامل مع مشاعرك، يمكن للمعالج النفسي والشعوري أن يقدم لك الدعم والتوجيه.
– تمارين المرآة: الحديث مع انعكاسك في المرآة بصوت عال يساعدك على التواصل الفعال والعميق مع مشاعرك خاصة في فترة ثورانها وفي وقت لا تستطيع طلب المساعدة بشكل عاجل.
– الحديث مع الله من خلال الدعاء يسمح لك بالشعور بالاطمئنان لأنك تلجأ حينها لمن هو أعلم بك منك وأرحم بك منك وأكبر من كل مصائب الدنيا ومتاعبها. يمكنك حينها أن تشكر الله على نعمه عليك أو البكاء بين يديه أو الاستخارة في خططك المستقبلية.
كيف تعرف أنك بدأت تحرر مشاعرك المكبوتة؟
– تشعر بخفة عاطفية وجسدية.
– تصبح قادرًا على التعامل مع المواقف والظروف الحياتية بطريقة أكثر هدوءً ومرونة.
– تبدأ في استعادة طاقتك وتركيزك على الحاضر.
– تصبح قادرا على فهم مشاعرك ومشاعر من حولك وبذلك تزيد ثقتك بذاتك وقدرتك على مواجهة التحديات وكذلك تتحسن جودة علاقاتك.
– المشاعر المكبوتة تفعل الجهاز العصبي اللاإرادي وبالتالي تقزم التفكير الإبداعي، تحرير هذه المشاعر يفعل الإبداع والابتكار لديك
الخلاصة
تحرير المشاعر المكبوتة رحلة تحتاج إلى صبر واجتهاد ووعي، لكنها تستحق ذلك. عندما تُعطي نفسك الإذن للتعبير عن مشاعرك، تبدأ في بناء علاقة أعمق مع ذاتك. اختر الطرق التي تناسبك، سواء كانت الكتابة، الحديث، الرياضة، أو التأمل، وتذكر أن كل خطوة صغيرة تُقربك نحو حياة أكثر هدوءًا وسلامًا داخليًا.