الخدر العاطفي: مفاهيمه وأسبابه وطرق التعامل معه

الخدر العاطفي هو حالة من التبلّد أو الانفصال عن العواطف والمشاعر الداخلية، حيث يشعر الشخص وكأنّ عواطفه محجوبة أو خفيفة جداً لدرجة أنه لا يستطيع الاستجابة للمواقف العاطفية بشكل طبيعي. قد يعبر الشخص عن الخدر العاطفي بالقول إنه لا يشعر بشيء، أو أنه في حالة من الفراغ العاطفي. يمكن أن يتجلى هذا الخدر في مختلف جوانب الحياة، سواء كانت في العلاقات الشخصية أو في التعامل مع الضغوط الحياتية اليومية.

أسباب الخدر العاطفي

  1. التعرض للضغوط النفسية المستمرة:
    الحياة المليئة بالتحديات والصعوبات يمكن أن تؤدي إلى تأثيرات نفسية عميقة. عند مواجهة مشاكل مزمنة مثل فقدان الأحباء، أو ضغوط العمل، أو الاضطرابات العائلية، قد يتحول الشخص إلى حالة من الخدر العاطفي كآلية دفاعية للحد من الألم العاطفي.
  2. الصدمات النفسية:
    الأشخاص الذين تعرضوا لصدمات نفسية كبيرة، مثل الاعتداء الجسدي أو العاطفي، أو فقدان شخص عزيز بطريقة مفاجئة، قد يعانون من الخدر العاطفي كطريقة لحماية أنفسهم من العودة إلى مشاعر الصدمة والألم.
  3. الاكتئاب والقلق:
    يُعد الاكتئاب من أكثر الاضطرابات النفسية التي تتسبب في شعور الشخص بالخدر العاطفي. في حالات الاكتئاب، قد يشعر الشخص بتناقص القدرة على الاستمتاع بالحياة وفقدان القدرة على الاتصال بمشاعره الداخلية. القلق أيضاً يمكن أن يؤدي إلى انفصال عن المشاعر كاستجابة للتوتر المستمر.
  4. التراكم العاطفي:
    إذا كانت مشاعر الغضب أو الحزن أو الإحباط قد تراكمت لفترة طويلة دون أن يتم التعبير عنها أو التعامل معها بشكل صحي، فإنها قد تؤدي إلى حالة من الخدر العاطفي. في هذه الحالة، قد يصبح الشخص غير قادر على الوصول إلى مشاعره الحقيقية بسبب تكدس المشاعر المكبوتة.
  5. التعامل مع التوقعات الاجتماعية:
    قد يضغط المجتمع أو البيئة المحيطة بشخص ما ليظهر بمظهر قوي أو خالٍ من الضعف، مما يجعله يبتعد عن التعبير عن مشاعره. مع مرور الوقت، قد يؤدي هذا إلى ضعف القدرة على التواصل العاطفي والشعور بالخدر.

أعراض الخدر العاطفي

  • عدم الشعور بالسعادة أو الحزن:
    الأشخاص الذين يعانون من الخدر العاطفي قد يشعرون أنهم لا يستطيعون التفاعل مع المواقف العاطفية بشكل طبيعي. على سبيل المثال، قد يجدون أنفسهم غير قادرين على الشعور بالسعادة حتى في اللحظات المفرحة أو غير قادرين على الشعور بالحزن في المواقف المحزنة. عبارات مثل: “بخير، جيد، لا بأس، عادي، أوكي، تمام، زين ،،،” قد تكون دليلاً على التبلد العاطفي الذي يعتري بعض الأشخاص أحيانا كثيرة لدرجة أنهم يتعودون عليه ولا ينتبهون إلى أنهم اختاروا لاوعي أن يرتدوا أقنعة تحميهم ولكنها في نفس الوقت تخدرهم عاطفيا فيصبحون جامدين كالمومياء لا تحركهم عواصف الحزن والفرح إلا فيما نادر.
  • الانعزال الاجتماعي:
    قد يفضل الأشخاص الذين يعانون من الخدر العاطفي الانسحاب من الأصدقاء والعائلة، لأنهم لا يشعرون بالاتصال العاطفي مع الآخرين. ولا يتذوقون طعم العلاقات الانسانية مع كل ما يوجد في محيطهم مهما كانوا يحتاجون لها، حيث يفقدون الرغبة في اكتشاف الجديد وعيش مغامرات مختلفة لأنهم يبحثون عن الجمود والاستقرار ليحصلوا على شعور راحة مزيف.
  • الشعور بالفراغ:
    في كثير من الأحيان، يصف الأشخاص الذين يعانون من الخدر العاطفي شعورهم بالفراغ أو فقدان الهدف في الحياة. فحياتهم مملة وباهتة لأنهم عاجزون عن اعتناق الحياة ومفاجآتها حيث يختارون التجمد أو الخدر لكي يتفادوا تكرار صدمات وخيبات الماضي، غير منتبهين إلى أنهم بذلك يسجنون أنفسهم داخل تلك الصدمات ويدورون في حلقاتها المفرغة.
  • صعوبة في اتخاذ القرارات:
    بسبب عدم القدرة على الشعور بالعواطف بشكل واضح، قد يجد الشخص صعوبة في اتخاذ قرارات هامة في حياته الشخصية أو المهنية. فالقطاع الذي يرتديه ويخبئ تحته هويته الحقيقية يجعله عاجزا عن النظر في ماهية الأمور. فالشخص المتصالح مع هويته ومشاعره لا يخاف من أخذ القرارات حتى لو ظن خطأها؛ لأنه يعلم أنها ستفضي لتجارب جديدة تزيد من تطوره العاطفي والفكري وهذا بحد ذاته مكسب لا يستهان به.

كيفية التعامل مع الخدر العاطفي

  1. الاعتراف بالمشكلة:
    أول خطوة في التعامل مع الخدر العاطفي هي الاعتراف بوجود المشكلة. إن الوعي بالحالة هو جزء أساسي من بداية العلاج. يجب أن يكون الشخص مستعدًا للاعتراف بأنه يعاني من فقدان الاتصال مع عواطفه.
  2. البحث عن الدعم النفسي:
    الدعم النفسي من معالج مختص أو مستشار يمكن أن يكون له دور كبير في معالجة الخدر العاطفي. العلاج النفسي، مثل العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، يمكن أن يساعد الشخص على معالجة المشاعر المدفونة وفتح قنوات الاتصال العاطفي مجددًا.
  3. الانتباه واليقظة:
    تقنيات مثل الانتباه واليقظة والحضور يمكن أن تساعد الشخص في العودة إلى اللحظة الحالية والتركيز على مشاعره وأحاسيسه دون الحكم عليها. هذا قد يسهم في إعادة تنشيط الاتصال العاطفي.
  4. التعبير عن المشاعر:
    أحد الطرق المهمة للتعامل مع الخدر العاطفي هو تعلم التعبير عن المشاعر بشكل صحي. الكتابة عن المشاعر أو التحدث مع شخص موثوق قد يساعد في تحرير المشاعر المكبوتة.
  5. الحفاظ على نمط حياة صحي:
    ممارسة الرياضة بانتظام، والحصول على قسط كافٍ من النوم، وتناول غذاء متوازن، يمكن أن يحسن الصحة النفسية العامة ويعزز القدرة على التعامل مع المشاعر.
  6. التركيز على العناية الذاتية:
    العناية بالنفس على مستويات متعددة (العقلية والجسدية والعاطفية) يمكن أن تكون طريقة فعالة للخروج من حالة الخدر العاطفي. ذلك يشمل تخصيص وقت للاسترخاء، وممارسة الأنشطة التي تجلب السعادة أو الراحة.

خلاصة

الخدر العاطفي هو حالة نفسية معقدة تتطلب فهماً عميقاً وأدوات مناسبة للتعامل معها. سواء كان نتيجة لصدمات سابقة، أو ضغوط حياتية، أو اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب، يمكن أن يكون الخدر العاطفي عائقًا كبيرًا في حياة الشخص إذا لم تتم معالجته بشكل صحيح. عبر الاعتراف بالمشكلة، والحصول على الدعم النفسي، وتبني أساليب حياة صحية، يمكن للشخص استعادة الاتصال بعواطفه والتفاعل بشكل أكثر إيجابية مع ذاته أولا ثم مع الحياة عموماً. من الملاحظ أن عددا كبيرا من الناس أصبح يعاني من الخدر العاطفي وذلك لأننا أصبحنا مستهلكين من قبل التفكير في مشاغل الحياة اليومية. وبالتالي أصبح تركيزنا بشكل كبير على الحسابات المنطقية ومحاولة فهم وتحليل ما نواجهه خلال يومنا بدلا من تفعيل مشاعرنا وأحاسيسنا لمعايشة متغيرات الحياة. كلما انتبه الانسان ثم اختار أن يتفاعل أكثر مع الحياة بدلا من الخوف والاحتياط والحذر والبحث المستمر عن مؤشرات الخطر والاستقرار؛ سوف يبدأ بحياة الحياة بكل ما تحمله الحياة من معاني.